أبعد من التفجير الانتحاري الأخير في مقهى الجبل وهو حلقة من سلسلة الموت والموت المعاكس،يقوم أمام أعين اللبنانيين هذا المثلث المخيف منذ عقود. مثلث الجبل التبانة والمنكوبين ...مرتع الفقر والكره والجهل والبؤس الذي لا حدود له.
يقول صديق لي بعدما زار حديثا منطقة المنكوبين ،أنه لم يتصور من قبلُ، منطقة بهذا البؤس والموات.
ويكتب أديب نعمة في تقريره الحديث الموثق أن المدينة هي الأفقر والأوسخ،وهي معلومة قديمة لولا أنها اليوم مدعومة بالغرافيك والأرقام.
هذا المثلث أيها السادة هو جزء أصيل من طرابلس التي ترقد منذ أعوام في البطالة والموات الاقتصادي والوضع الأمني المهزوز .
مدينة أفرغت من مجتمعها المدني الحي بعدما أصبح معظم الشبيبة المتعلمة في الخارج تسعى خلف رزق لم تجده في وطنها،وما تبقى منه غدا إما راكنا في يأسه أو واقفا بأبواب السلاطين.
أما السواد الأعظم فهو غارق في فقره وجهله يتوسل الكثيرون منه سبل الشحادة ،وهم الكتلة الناخبة الوازنة التي يعلق عليها النواب الأثرياء آمالهم فيشترونها يوم الحساب.
المدينة محصورة ومخنوقة بهذا الواقع البشع من يوم دخول المال النفطي الى سوق الانتخابات ومن يوم استأثر الأغنياء الجدد بالنيابة ،يغنمونها بالقرش ويأخذون معهم من يشاؤون من ألواح الخشب على لوائحهم.
ألوح الخشب لا يعنيها حقوق المدينة وألواح الخشب لا ترفع صوتها مطالبة أو مدافعة لأن الخشب لا ينطق ،وألواح الخشب لا تشعر مع أهلها لأن الخشب لا يشعر.
وهذا السواد الأعظم الفقير والبائس هو بوابة عبور الأغنياء إلى النيابة والوزارة ما دام هذا السواد فقيرا وبائسا.
مدينة ميتة يعشعش في زواياها المعتمة مجتمع من التخلف والقهر والمهانة والجوع،مجتمع يملؤه الحقد وانعدام الحس بإنسانيته،وهو أخطر العلامات.
مجتمع لا ندري متى ينقلب عليكم جميعكم ،لكنه حتما سينفجر...
أمام هذا الواقع المذل أنتم يا نواب المدينة ووزراءها تتراقصون بغباء وأنانية واستهانة على جثة المدينة.
حسين الجسر aljisr