الحبر الأعظم والرأسمالية الخطيئة

المخرج اليساري الشهير مايكل موور التقى البابا فرنسيس مؤخراً وسأله عن اللاعدالة في توزيع الدخل وهل الرأسمالية خطيئة؟ فأجاب البابا الذي عُرف بمواقفه الجريئة: نعم لأن الفقراء يأتون أولا.

هذا الحوار يصادف تقريرا وضعته وكالة الأمن الغذائي في الأمم المتحدة البارحة عن حالات المجاعة ونقص التغذية في آسيا والمحيط الهادىء فقط والتي يبلغ فيها عدد الجياع من بالغين وأطفال 500 مليون نسمة.

أنا لست يساري الانتماء بالرغم من أنني أرى في الفكر اليساري مدّاً انسانيا أكثر بكثير من المفاهيم الأخرى، ولست ضد الرأسمالية بالمطلق لأنها تتوافق مع الفطرة البشرية،غير أن هذا التغوّل في الرأسمالية هو الخطيئة الكبرى لأنه يتنافى مع الأسس والمبادىء الجوهرية للعدالة والرحمة التي تُعتبرُ جوهر الرسالة الانسانية والتي من دونها تغدو البشرية مجرّد قطعان متوحشة تأكل بعضها وفق شريعة الغاب في انتصار القوة على الحق.

الأمثلة عن هذا الواقع البشع والخطير عديدة لا حصر لها منذ فجر التاريخ حتى هذه الأيام التي نعيشها والتي ندّعي فيها أننا ارتقينا في سلّم الحضارة الانسانية ليتبين لنا أننا لم نزل قطعانا يحكمها الجشع واللارحمة وأن طريقنا نحو الارتقاء لم يزل طويلاً طويلا.

إنّنا لم نتقحم بعدُ العقبة المذكورة في القرآن الكريم والتي تدعو ببلاغة متناهية الى أمرين أساسيين: فكّ رقبة وتعني أن لا يبقى في الأرض مستعبدون في رزقهم وحرّيتهم، وإطعام في يوم ذي مسغبة وتعني في يوم مجاعة،أي أن لا يبقى في الأرضى جوعى.

فكيف نفسّرُ أن أميركا المتطورة يملك نصفها 3 بالمئة من سكانها؟

وأن ثروة العالم بأثره تمتلكها بضعة آلاف من الأثرياء، فيما مليار نسمة تتضوّر جوعا؟

وكيف لكبار الموظفين من رؤساء وأعضاء مجلس إدارة أن يقبضوا مئات الملاين شهريا؟

وكيف للشركات الرائدة والمخترعة كآبل وميكروسوفت واللائحة تطول، أن يمتلكوا ثروات دول كبيرة بأكملها ليصل الرقم الى تريليون دولار لشركة واحدة؟

إنها الرأسمالية المتغوّلة المتوحشة التي فلتت من عقالها فزادت الفوارق وانعدمت العدالة وكثر عدد الجياع في الأرض.

الحبر الأعظم على حق. هذه الرأسمالية المتفحّشة ليست خطيئة فحسب، إنها أمّ الخطايا في الأرض،ولمن يتستّر بالحرية نقول له: ألا كم من الجرائم تُرتكبُ باسمكِ أيتها الحرّية.