هذا قهرٌ والله العظيم (رأي حر)

أتفرّج على التلفيزيون ....أقلّب البرامج اللبنانية ...هذا موسم الانتخابات، مرشّحون ينظّرون ، أو ثوّار حسبما يدّعون،غضباً يزبدون، أو متحزّبون ورغم كلّ ما جرى، يدافعون عن زعمائهم...
المهمّ أنها كلّها تهريج ...لا شيء يدعو إلى الإنصات، لا شيء يحملك على الاحترام...

ربّما هم على حق وأنا الذي ضيّعت البوصلة ....ربّما هم أحياء وأنا الذي فقدت الأمل...وربّما أن الحال الذي وصلنا اليه جعلتنا نفقد أي شعور بالثقة أو حتى التمني.
حتى التمني بأن قارئ هذه السطور سيكملها بات عديما، فالحال التي نحياها والتي يحياها اللبنانيون تستوجب البكاء واليأس وضيق الخلق عن تكملة هذه السطور...

دخيلك يا ألله ... ماذا حل بنا نحن الشعب اللبناني؟؟
طيب أنا انسان منعم عليّ ولا أعاني بقساوة من حدّة الأزمة، ومع ذلك أشعر بالواقع يملؤني عجزا وقهرا، فكيف الحال بمعظم اللبنانيين الذين يئنون تحت وطأة العجز والفقر والذل والخوف ....والمجهول...

قال صديق لي :أرى على طريق بيروت سيلاً من السيارات وفي المطاعم زحمةً من الروّاد وفي السوبرماركت عجقةً كبيرة ...فأين الأزمة ؟؟ قلت: انت تتطلّع في الأماكن المضيئة وهي لا تشكّل إلا عشرة بالمئة من الكلّ ...أما الذي لا تراه عيناك فهي الأماكن المعتمة التي تمتد على كامل المناطق اللبنانية ...
قلت له يا صديقي سأروي لك قصة حقيقية رواها لي صديق بأمانة، وزمانها من اكثر من عشرين سنة...موقعها في طرابلس مدينتي وفي شهر رمضان الآتي الينا بعد يومين.المكان قهوة موسى الشعبية في حي الجبّانة ...امرأة تحمل كعكة وتطلب من بائع الجبن أن يعطيها مَرَقَ الجبنة لتطعم أبناءها...
مَرق الجبنة ...هؤلاء فقراء بلدي في هذه الدولة المسخرة ومن عشرين سنة ...فماذا حلّ بنا اليوم ؟؟؟نُكبنا جميعاً وأفقِرنا جميعاً ...لأننا لم نكن دولة بحقّ بل مجموعات تتكالب على بعضها .
 
اليوم عضّ الفقرُ عظام الجميع ....وصدعَ الذلّ جباهَ الأكثرية ، وغدونا شعباً منكوباً وجائعاً وذليلاً ...وتساوت إمرأةُ مَرَقة الجبن مع الأكثرية من الشعب اللبناني...
الناس تشتركُ بأمبيرٍ واحدٍ إذا قدرتْ لتأمين الضوّ والتلفزيون.  الكثيرون يجمعون الشمع للإنارة ...أما الغاز فالناس تعبئ من المحطات بالقليل القليل من الليترات للطبخ.

وطن بأكمله عائش بالمذلّة ... ذلّ احتياج الأهل لأولادهم في الغربة،يبعثون اليهم بالدولارات القليلة ...هذا قهرٌ والله العظيم...

وآخرون يعيشون من خير  المنظّمات غير الحكومية الرائجة والحمدلله في بلدنا وتدفع للعاملين فيها بالفريش دولار،فيساعد الأبناء أهاليهم بالنذر اليسير ...
أما الآخرون من الفقراء فلهم ما تبقّى من تراحم الناس ودِينِ الناس في إغاثاتهم وتطوّعهم وتبرّعهم وزكاتهم ....فالدين في قلوب اللبنانيين يبقى الأساس في الملمّات والشدائد...

أتفرّج على التلفيزيون ....أقلّب البرامج اللبنانية ...هذا موسم الانتخابات، مرشّحون ينظّرون، أو ثوّار حسبما يدّعون،غضباً يزبدون، أو متحزّبون يدافعون عن زعمائهم...
المهمّ أنها كلّها تهريج ...لا شيء يدعو إلى الإنصات، لا شيء يحملك على الاحترام...

 

حسين الجسر