في بلد يشتهر بالفساد والرشاوى مثل لبنان، يُعتبر تفعيل وتعزيز مشروع الحكومة الإلكترونية ضرورياً، فهو من وسائل الإجابة على العناوين العريضة والشعارات الرنانة التي نسمعها كلّ يوم حول مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية. الأهم أنّ نتيجة هذا المشروع ستكون إيجابية على مستوى إنعاش الاقتصاد بطريقة غير مباشرة، لكن أساسية.
فالإصلاحات المُطالب بها لبنان للحصول على دعم دول الخارج، يُمكن أن يُنفذ بعضها عبر تفعيل العمل بالحكومة الإلكترونية، إذ إنّ هذا المشروع يخلق ثقة بين الدولة والمواطن ويرسل إشارات للخارج بأنّ لبنان يتحول إلى دولة إلكترونية. وبالتالي، يؤكد على الديمقراطية والشفافية ويجذب الاستثمارات خصوصاً من الخارج، ما يشكل مردوداً مادياً للدولة، وقد يكون بالدولار أيضاً.
إضافة إلى ذلك، يحدّ هذا المشروع من الهدر العام ما يرفع إيرادات خزينة الدولة. كما يزيد من إنتاجية الأعمال من خلال تسريع المعاملات وتسهيل الخدمات وعدم خسارة الموظف يوم عمل كامل للقيام بالمعاملات.
في هذا السياق، يوضح رئيس لجنة التكنولوجيا والمعلومات النائب نديم الجميل، لموقع الـLBCI، أنّ هناك "عدة طرق لاحتساب كيفية تأثر إنتاجية البلد عبر الحوكمة الإلكترونية، إذ لا يمكن لمسها بالأرقام بل بالحيوية". ويلفت إلى أنّ "هذا المشروع بحدّ ذاته يجذب الشركات والاستثمارات والعمليات المصرفية والتعامل مع دول الخارج ويؤثر بطريقة غير مباشرة في النمو والحيوية".
ويشرح الجميل أنّ هذا المشروع كان بدأ بلبنان لكن ما زال بحاجة إلى ثقافة داخلية لدى كل الوزارات بشأن تقديم مجموعة خدمات الكترونية.
ويوضح أنّه عندما يتم ربط الشبكة ببعضها نكون قد وصلنا إلى الحوكمة الإلكترونية. هذا الأمر بحاجة أولاً إلى التنسيق بين كلّ الوزارات، وثانياً إلى حماية للبيانات وتكون هناك مؤسسة مستقلة لإدارتها ، فصحيح أنّ مصدر البيانات هي وزارة الداخلية، لكن ليست إدارتها. ما الذي ينقص لتنفيذ ربط الشبكات للوصول إلى الحكومة الإلكترونية؟ يشرح مهندس الاتصالات سلوم الدحداح بأنّ العملية بحاجة، بكلّ بساطة، إلىData centre يتضمن خوادم حاسوبية (Servers) تربط الشبكة بين الوزارات والمؤسسات. ويضيف: "على مالية المؤسسات أن تُربط بالمصارف وبمالية الدولة، أيضاً على الوزارات والإدارات العامة أن تُربط ببعضها البعض لناحية المالية والبيانات، ما يسهل ويسرع المعاملات ويمنع الرشاوى ويعزز الشفافية".
يعطي الدحداح مثالاً على ذلك، ويقول: "صحيح أنّ هناك مكننة لكنّها منفذة بنسبة 50 في المائة، مثلاً يجب عدم اقتصار الموضوع على إدخال البيانات في الصيدليات وإعادة إدخالها في الضمان، بل يجب أن تكون مترابطة، وبالتالي يتم إدخالها مرة واحدة ويمنع التلاعب فيها. ومثال آخر على ذلك أنّ المطلوب من الشركات أن تكشف عن أرباحها عبر المصارف ومالية الدولة، وحينها إن كانت مُرتبطة بشبكة إلكترونية بين بعضها البعض لا يمكن عندها التلاعب بالأرقام".
وعن صعوبة تنفيذ الامر، يشدد الدحداح على أنّه لا يحتاج سوى لقرار سياسي: "إن كانت أميركا تمكنت من ربط الشبكة فلبنان بقعة صغيرة وبإمكانه تطبيقها بسهولة". هذا الامر يتوافق مع كلام الجميل الذي يشدد على أنّ الأمر بحاجة إلى قرار سياسي. أما عن دور لجنة التكنولوجيا في تشجيع وتحفيز الوزارات فهو واجب، وستجتمع عبر الإنترنت قريبا. ويوضح الجميّل: " هناك ضرورة للعمل على ربط البيانات وتوحيدها وإجراء جردة لكلّ مراجع الأسماء بالوزارات (الداخلية والمالية والعدل)". ويكشف عن فكرة تفيد بتعليم السجناء على استخدام الكمبيوتر والبرنامج وتوظيفهم لإدخال البيانات. وعن مدى الثقة بالسجناء لتوليهم هذه الوظيفة، يشير الجميل إلى أنّ "هناك ضوابط معينة لإدخال القوائم وهذا إجراء يُمكن التحكم فيه. وبالتالي إن كان هناك من خطأ فسيظهر". أزمة كورونا قد تُسهل الطريق نحو الحكومة الالكترونية....
ولأنّ لبنان كان قد بدأ هذا المشروع وما عليه سوى أخذ القرار بإكماله، تأتي أزمة فيروس كورونا لتسهل الطريق نحوه، إذ ساهمت بالتعاطي مع الإنترنت بطريقة إيجابية. ويؤكد الجميل أنّ "على الوزارات استغلال الأزمة بطريقة إيجابية والاستفادة من نقل الخدمات إلى منصة الإنترنت، فالمواطنون مستعدون لاستخدامها".
إذاً، في نهاية الأمر، ما يحدّ الوصول إلى الحكومة الإلكترونية هي المصالح والكارتيلات قبل أيّ شيء آخر، وهي التي تمنع تطور لبنان، على هذا الصعيد.