حاملاً حقيبته، منطلقاً في المجهول، ليتجرّد أمر ما من كيانه شيئا فشيئاً. رجل مفكك ومضطرب ، نراه في شوارع مختلف دول العالم. هو المجرّد من معالمه يسير نحو خلاصه بقدر ما يسير نحو خسارته، علّه يجد السعادة. تمثال المسافر او المهاجر للنحات Bruno Catalano، المنتشر في مختلف دول العالم، والذي كنا نراه في بعض الدول عندما كنا لا زلنا نتمكن من السياحة والسفر في "أيام العزّ"، أصبح يعكس صورة المهاجر اللبناني أكثر من تمثال المغترب اللبناني بسحنته المشرقية بعينيه اللتين تنظران الى البعيد وكأن هنام من أمل.
فبعيداً عن الكليشيهات، وبصراحة تامّة، بعضنا كلبنانيين، لا مشكلة لديه بالهجرة، فالعالم بالنسبة له أوسع من أن يبقى في مكان واحد، لتحقيق طموحه. البعض الآخر يهاجر على مضض، فهو مجبرٌ بعد أن اقفلت الأبواب بوجهه. والبعض يتمنى أن يهاجر الا أنه يختار البقاء في بلده، لظروف عائلية أهمّ من ظروفه الاقتصادية بحسب ميزانه، والبعض لا يفكر أبداً بالهجرة، بل متمسك بأرضه، وكي لا نضحك على بعضنا، هؤلاء قلّة.
الأكيد أنّ اللبناني اليوم، يهجر بلده علّه يجد قوته ليزود عائلته به. نتحدث عن الهجرة والمغتربين اللبنانيين الى حدّ أن الموضوع أصبح "كليشيه"، وفي "اليوم العالمي للمغترب اللبناني"، نعلم جيداً اننا سنتحدث عنه من دون أن يتغير أي شيء.
الأرقام:
ففي الأرقام، الهجرة من لبنان الى ازدياد خصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت، وهرباً من الأزمة الاقتصادية التي تتآكلنا. وصحيح أن جائحة كورونا أثرت على تراجع الأعداد في فترة معينة، اثر اقفال بعض الدول لحدوده، إلا أنها لم تحدّ من نية اللبنانيين في الهجرة.
فبحسب دراسة لمركز "الدولية للمعلومات"، ان أعداد المهاجرين والمسافرين في العام 2020 وتوزعهم على الأشهر، تظهر أن الأشهر الثماني الأولى من العام ونتيجة الإقفال الذي شهدته معظم دول العالم شهد عودة 27,207 أشخاص، ولكن من منتصف شهر آب 2020، وربما من نتائج إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب، أخذت أعداد المهاجرين والمسافرين بالارتفاع وبلغت 22,114 شخصاً حتى منتصف أيلول، و 13,463 شخصاً حتى منتصف تشرين الأول ليصل العدد حتى نهاية العام إلى 44,928 شخصاً وتكون الحصيلة النهائية 17,721 شخصاً.
وهذه الأعداد المرتفعة التي سجلت في الأشهر الأربعة الأخيرة من العام 2020 قد تكون مؤشراً إلى ارتفاع أكبر في العام 2021.