أكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أن من أولويات العهد والحكومة تفعيل عمل المؤسسات الرقابية كي ينتظم عمل الإدارات والمؤسسات العامة ويتم القضاء على الفساد والرشاوى ويشعر المواطن اللبناني أنه فعلا في دولة القانون والمؤسسات وليس في دولة المزارع وشريعة الغاب.
وشدد الرئيس عون على ألا تهاون مطلقا مع الفاسدين والمرتكبين وأن أي تدخل في عمل المؤسسات الرقابية أو أي ضغط يمارس على المسؤولين والعاملين فيها، سيواجه بقوة وحزم انطلاقا من ضرورة استقلالية عمل هذه المؤسسات وفق نصوص القوانين التي أنشأتها.
كلام الرئيس عون جاء خلال جولة قام بها صباح اليوم على عدد من الهيئات الرقابية شملت مجلس الخدمة المدنية وهيئة الشراء العام والتفتيش المركزي وديوان المحاسبة.
مجلس الخدمة المدنية
بدأت الجولة في مقر مجلس الخدمة المدنية في شارع فردان حيث كان في استقبال الرئيس عون، رئيسة المجلس نسرين مشموشي ورئيس إدارة الموظفين بالوكالة المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير ورئيسة إدارة الأبحاث والتوجيه نتالي يارد.
وبعد جولة على عدد من مكاتب المجلس، عقد الرئيس عون اجتماعا في مكتب السيدة مشموشي التي أطلعته على عمل المجلس الذي تأسس في العام 1959 والمهام التي يقوم بها، والدورات التي ينظمها والمباريات التي يجريها لصالح الإدارات العامة لتعيين موظفين "والتي تستند الى الكفاءة والخبرة لسد الحاجات في إدارات الدولة".
ولفتت مشموشي الى اقبال الشبان والشابات على الاشتراك في مباريات الدخول الى بعض الإدارات واحجامهم عن إدارات أخرى، مركزة على استبعاد الوساطات، مشيرة الى عدم توافر التوازن الطائفي في عدد من الإدارات ما يتطلب تشجيع الجيل الشاب على الانخراط في الوظيفة العامة لخدمة البلد.
كما استمع الرئيس عون الى شروحات من شقير ويارد حول عمل إدارة الموظفين والأبحاث والتوجيه والحاجة الى زيادة عدد العاملين فيهما والتنسيق مع الجامعات لحث طلابها على الاقبال.
ونوه الرئيس عون بعمل مجلس الخدمة المدنية وبأداء الموظفين على رغم قلة عددهم قياسا بالمهمات الموكولة إليهم، معتبرا أن المجلس "يمثل العمود الفقري لإصلاح الإدارة العامة وتطويرها"، داعيا الى "التزام الحياد المطلق والمهنية في التوظيف والترقيات بعيدا عن المحاصصة والمحسوبيات التي أنهكت إدارات الدولة".
وطلب الرئيس عون الإسراع في اجراء الامتحانات لملء الشواغر بالكفاءات المؤهلة، لافتا الى ضرورة تطوير معايير التقييم والمساءلة لضمان الأداء الفعال للموظفين وخدمة المواطن. ورأى الرئيس عون ان التدريب المستمر للموظف مهم للارتقاء بمستوى الخدمة العامة، داعيا الى "ان يكون مجلس الخدمة المدنية حارسا امينا على مبدأ الجدارة والاستحقاق لأنه الطريق السليم لبناء دولة عصرية تخدم جميع اللبنانيين".
بعد ذلك، انتقل الرئيس عون الى مقر هيئة الشراء العام حيث استقبله رئيسها جان العلية.
ولفت العلية الى افتقار الهيئة الى موظفين اذ يعمل فيها حاليا 8 موظفين فيما يلحظ ملاكها وجود 57 موظفا، كما أن أعضاء الهيئة الأربعة لم يتم تعيينهم حتى الآن. وشدد العلية على "ألا أحد يتدخل في عمل الهيئة طالما أن عملها يرتكز على القانون والمطلوب من كل الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات التي لها علاقة بالهيئة ان تتجاوب مع مقتضيات القانون الذي يجب اأن يطبق من فوق الى تحت".
ثم اطلع رئيس دائرة المعلوماتية في الهيئة المهندس عمر البراج الرئيس عون على موقع الهيئة الالكتروني وآلية العمل فيه والمنصات المخصصة للمناقصات والتلزيمات وغيرها.
ودعا الرئيس عون الى تطبيق مبادئ الشفافية والمنافسة والمساواة في كل عمليات الشراء العام، من دون استثناءات أو محاباة، والإسراع في رقمنة كل إجراءات المناقصات والمشتريات لتسهيل المشاركة ومنع التلاعب والفساد ومراقبة تطبيق قانون الشراء العام في كل الإدارات والمؤسسات، ووقف أي مخالفات فوراً.
وشدد عون على أهمية اعتماد معايير الجودة والسعر الأفضل لا السعر الأدنى فقط، لضمان حصول الدولة على أفضل قيمة مقابل المال العام، مركزا على ضرورة تطوير قاعدة بيانات وطنية للموردين والمقاولين، ووضع معايير واضحة لتأهيلهم ومراقبة أدائهم، والتنسيق مع الأجهزة الرقابية لكشف أي تواطؤ أو احتكار في عمليات الشراء، واحالة المخالفين إلى القضاء. وأكد ضرورة نشر تقارير دورية عن المشتريات والعقود لتعزيز المساءلة وثقة المواطنين للتوفير على الخزينة كل ليرة ممكنة من خلال الشراء المركزي والتفاوض الذكي مع الموردين.
رئيس التفتيش المركزي
وانتقل الرئيس عون بعد ذلك الى مقر التفتيش المركزي حيث كان في استقباله رئيسه القاضي جورج عطية الذي اطلعه على عمل التفتيش بمختلف اختصاصات المؤسسات العامة سواء التفتيش المالي والإداري والتربوي أو الهندسي أو الصحي، لافتا الى التقدم الحاصل في انجاز الملفات المحالة الى التفتيش، فضلا عن مراقبة عمل الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات. وأشار الى أن عمل التفتيش في ضبط أداء الموظفين ساهم في إعادة تفعيل الإدارات العامة في خدمة المواطنين.
وشدد الرئيس عون على أهمية التنسيق والتناغم بين مختلف المفتشيات ليكون عملها متكاملا ومثمرا. وقال: "ان العاملين في التفتيش المركزي يتحملون مسؤولية جسيمة في حماية المال العام ومكافحة الفساد وعليهم ممارسة صلاحياتهم الرقابية بحزم وشجاعة، مهما علا شأن المخالف". ودعا الى تكثيف التفتيش الميداني المفاجئ على الإدارات والمؤسسات العامة، وكشف مواطن الهدر والفساد بلا هوادة، ومتابعة تنفيذ التوصيات والقرارات التي تصدر عن الهيئة واحالة الملفات إلى القضاء المختص من دون تأخير.
وشدد الرئيس عون على تطوير آليات الرقابة المسبقة واللاحقة، واعتماد التكنولوجيا الحديثة لكشف المخالفات. ودعا المفتشين الى أن يكونوا قدوة في النزاهة والشفافية، قائلا: "أنتم عين الدولة الساهرة على حسن سير الإدارة. عززوا التنسيق مع الأجهزة الرقابية الأخرى لإحكام الرقابة على المال العام".
ديوان المحاسبة
وبعد جولة في عدد من مكاتب التفتيش المركزي، انتقل الرئيس عون الى مقر ديوان المحاسبة في محلة القنطاري حيث استقبله رئيس الديوان القاضي محمد بدران واطلعه على عمل غرف الديوان لجهة البت بالملفات المعروضة عليها، لافتا الى أن الديوان انجز التدقيق في 14 من قطوعات الحساب للدولة ولم يبق سوى 6 والعمل مستمر على مدار الساعة لإنجازها. وأشار الى حاجة الديوان الى عدد إضافي من القضاة المراقبين، والى وجود تعاون مع عدد من الهيئات الدولية لزيادة انتاجيته.
ونوه الرئيس عون بالجهود التي يبذلها رئيس ديوان المحاسبة ورؤساء الغرف والنيابة العامة فيه، معتبرا انهم يضطلعون بمهمة دستورية حيوية في حماية المال العام ومحاسبة المسؤولين، وعليهم بالتالي ممارسة رقابتهم القضائية باستقلالية تامة ونزاهة مطلقة، لأنهم حصن المال العام الأخير. داعيا الى الإسراع في البت بملفات الهدر والمخالفات المالية المتراكمة، فالعدالة البطيئة ليست بعدالة. وقال: "شدّدوا الرقابة المسبقة على العقود والنفقات الكبرى لمنع الفساد قبل وقوعه، ولا تكتفوا بالرقابة اللاحقة. وحاسبوا كل مسؤول تسبب بهدر المال العام أو بمخالفات مالية، من دون تمييز أو استثناء. وطوّروا أساليب التدقيق والمراجعة لتواكب التطورات، واعتمدوا الرقمنة لتسريع الإجراءات، وعززوا التعاون مع هيئة التفتيش المركزي والنيابات العامة لتشكيل منظومة رقابية متكاملة". كما طلب نشر التقارير والملاحظات علناً لتعزيز الشفافية ومساءلة المسؤولين أمام الرأي العام. وقال: "ثقوا أن استقلالكم مصان، وأن الدولة تقف خلفكم في مواجهة الفساد، وكونوا سيف العدالة في وجه الفاسدين".